حق المسلم على المسلم
استشرى الاختلاف في الأمة الإسلامية بين الدعاة، وتوسعت الفجوة، ولكي تنتهي هذه الفرقة وهذه الاختلافات لابد من العودة إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى غرس الإخاء والمودة بين المسلمين، ومعرفة حقوق المسلمين على بعضهم البعض.
وفي هذه المادة ذكر لهذه الحقوق العظيمة التي لابد من وضعها في الاعتبار.
عظم حق المسلم
الحمد لله العلي الغفار، الواحد القهار، مكور النهار على الليل، والليل على النهار، أحمده وأشكره وأستغفره، وأنيب إليه وأتوب إليه من جميع الأوزار، وأشهد أن لا إله إلا هو شهادة تبلغني وإياكم تلك الدار، دار النعيم التي أعدت للأبرار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خيرة البشر، صلى الله عليه وسلم ما تألقت عين لنظر، وما اتصلت أذن بخبر، وما هتف طير على شجر، وما انهمل مطر، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بَعْد:
أيها الناس! إن من أعظم مقاصد الرسول عليه الصلاة والسلام، بل إن من أجل أهداف الإسلام أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يوحد بين صفوفنا، وأن يرأب الصدع بيننا، فإذا لم يتم ذلك؛ فلنعلم جميعاً أننا تلبسنا بالإسلام، وما اهتدينا إلى طريقه، وما تشرفنا بحمله، يقول الله تعالى ممتناً على الأمة العربية التي كانت ضائعة ضالة متفرقة، متحاسدة متحاقدة متقاطعة: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63].
فسبحان من ألف هذه القلوب ووحد بينها، ورأب صدعها؛ فاستقلت بحمل الرسالة إلى البشرية.. والله يأمرنا بالاعتصام، وينهانا عن الفرقة وموجباتها من بغضاءٍ وحسد وغيبة، ومن هتك الأعراض، ومن تشريح وتجريح، يقول الله سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].......
اقتران الإيمان بالمحبة بين المؤمنين
اعلم أيها المسلم أنك لن تنال رضوان الله ولا عفوه ولا رحمته حتى تود لأخيك المسلم ما توده لنفسك، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ قال: أفشوا السلام بينكم }.
وإفشاء السلام معناه: بسمة الوجه وإطلاقه وبشاشته، وحرارة العناق.. ويوم أن توجد البغضاء بين الأسر والمجتمعات وطلبة العلم، يحل الغضب والمحق واللعنة والعياذ بالله، يقول عليه الصلاة والسلام: {إياكم وفساد ذات البين، فإن فساد ذات البين الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين }.
سلامة الصدر
إذا أردت أن تنام وطرحت نفسك على الفراش، وأوكلت نفسك باريها، فتذكر هل تضمر للمسلمين غشاً، هل تحمل لهم حقداً أو ضغينة، إن كنت تحمل ذلك فصحح إيمانك، وجدد إسلامك، فإن في قلبك غشاً وحقداً على عباد الله.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه في المسجد وهو مع الشبيبة الطاهرة التي حملت لا إله إلا الله إلى البشرية، فبينما هو يحدثهم قطع الحديث فجأة، وقال: {يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة }.
إذا بهذا الرجل تتقاطر لحيته بماء الطهور والوضوء البارد الذي يشبه برد قلبه ويقينه، وحذاؤه في يده اليسرى، فيدخل ويصلي ركعتين ويجلس، وفي اليوم الثاني يعيد صلى الله عليه وسلم هذا الكلام ويدخل هذا الرجل، وفي اليوم الثالث يكرر الكلام ويدخل ذاك الرجل.. عجيب.. بم دخل الجنة؟! أبصيام وصلاة؟! أبكثرة قراءة ومحاضرات؟! أبصدقة وبذل وعطاء؟!
لا. الأمر أعظم من ذلك، إن من الناس من يدعو ولكنه حقود، ومن الناس من يتصدق ولكنه حسود، ومن الناس من يبذل ويضحي ولكنه يبغض عباد الله، ويرصد لهم.
ولما سمع عبد الله بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، حرص على معرفة سر ذلك، فلازم هذا الرجل، وأمسى عنده ثلاث ليال، انتظر ليقوم يصلي الليل فلم يقم ليصلي الليل، نظر للصدقة فليس هناك صدقة كثيرة، نظر إلى صلاته في النهار فوجده يصلي الفرائض فحسب، فودعه وقال: يا أيها الرجل! ما أمسيت عندك ثلاثاً؛ إلا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبرنا أنك من أهل الجنة ثلاث مرات، فأسألك بالله ما هو عملك الذي بلغك دخول الجنة؟ فما رأيت عندك قيام ليل ولا كثرة صلاة ولا صدقة! قال: أما وقد سألتني فوالله الذي لا إله إلا هو إنني لا أبيت وفي قلبي لأحد من المسلمين غش ولا حسد كائناً من كان، لا أجد على المسلمين غلاً ولا حقداً.. ما أبرد قلبه!
ما ذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
اليهودية والنصرانية ، والصهيونية العالمية، والشيوعية وأهل الحداثة ، وأهل الفجور يختلفون، لكنهم في حرب المسلمين يتفقون، أما أهل الإسلام فمتفرقون على أساليب وأطروحات وحقد دفين، وغيبة في الأعراض.
حرمة المسلم
جاء في الأثر أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى بيت الله الذي بناه إبراهيم، ثم قال: {ما أعظمك! وما أجلك! والذي نفسي بيده للمسلم أعظم حرمة عند الله منك }.
ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام لنا ولكم، ولمن سلك طريق الإسلام: {المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه }.
يا أيها الذي جلس في المجلس ليغتاب عباد الله المؤمنين! يا أيها الذي انتهك حرمات العابدين المتوجهين! أما تعرف أنك تحارب الدين الإسلامي؟! أما تعرف أنك تقوم بحرب شعواء ضد الرسالة الخالدة؟! اتق الله في نفسك.. اتق الله في مصيرك.. وتذكر أننا أمة واحدة، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] فأكبر صفات المؤمنين أنهم إخوة..
إن كيد مُطَّرف الإخاء فإننا نسري ونغدو في إخاء تالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمامٍ واحـد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
إن الذين يسعون إلى الفرقة بدعوتهم وأساليبهم وحقدهم، إنهم يحاربون الرسالة الخالدة التي أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم.. عجيب كيف يتحد الباطل صفاً في حربنا، ونحن شيع وأحزاب ومجالس وأساليب لا نتحد ولا نتفق ولا نتآخى؟! إنهـا قاصمـة الظهر!!
حتى الجهاد الأفغاني، جهاد المجاهدين الأفغان وهم على الجبهات يلتحفون السماء ويفترشون الغبراء، لا يجدون كسرة الخبز، سلَّموا لله دماءهم وأموالهم وأطفالهم.. وهدمت بيوتهم وقعقعت مساجدهم، ودكدكت مآويهم، ثم يدخل فيهم من يفرق الكلمة، وينظر أنه هو المصيب وأن غيره المخطئ.. فلسطين يقوم الأطفال والنساء بالحجارة الصغيرة يدافعون بها الدبابات والطائرات والقنابل، ومع ذلك يجلس بعض الناس على الكنبات والمأكولات والمشروبات والفلل والسيارات، ولا هم له إلا أن يغتاب عباد الله: أقول لهؤلاء:
أقـلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
إن كنتم لا تستطيعون أن تخدموا الرسالة الخالدة، وأن تدفعوا العدو المارد، فنسألكم بالله أن تكفوا ألسنتكم عن عباد الله.
البغضاء -يا عباد الله- شتتت الأسر في مجتمعاتنا، فقد وجد أن من الأرحام من يحقد على رحمه، ومن يتعرض له، ويكيد له المكائد، ولذلك قست القلوب، وجفت العيون، وانقطعت البركة في الأرزاق بذنوبنا وخطايانا.. {والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم }
يتبع.....