لقد اثبت رجال المقاومة الفلسطينية وعلى مدار التاريخ عموما، وسنوات انتفاضة الاقصى المباركة بشكل خاص، مقدرتهم العالية على تحطيم منظومة الامن الصهيونية التي كثيرا ما تتباهى به دولة الكيان العبري، وهو ما ترجمته العشرات بل المئات من العمليات الفدائية النوعية التي شهد بدقتها ونوعيتها العدو قبل الصديق.
ومن باب تسليط الأضواء على مثل تلك العمليات وابرز مقدرة رجال المقاومة على الإبداع في العمل العسكري المقاوم، تعرض لكم سرايا القدس تفاصيل أول عملية اقتحام لموقع "كفارداروم" العسكري الصهيوني خلال انتفاضة الأقصى المباركة نفذه مجاهدو سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين كما يرويها لنا المجاهد "أبو محمد" احد قادة السرايا.
ميلاد الفكرة
كما هو ديدنهم، لم يتواني رجال المقاومة عن البحث والتفكير والتخطيط لإيلام العدو بكل السبل والإمكانات المتاحة، واضعين كل جهدهم ووقتهم في خدمة القضية التي يقاتلون من أجلها، وفي هذا السياق وضع مجاهدو سرايا القدس خطة محكمة للهجوم على الموقع العسكري الصهيوني المعروف باسم "كفارداروم" بالقرب من الحدود الشرقية لوسط قطاع غزة، وذلك بحسب ما قاله المجاهد "أبو محمد" أحد قادة السرايا المشرفين على تنفيذ العملية والذي كان ينوي المشاركة في العملية أيضا، إلا ان اعتقاله من قبل أجهزة امن السلطة الفلسطينية في حينه حال دون ذلك!. بدء التنفيذ..
وفور الإعلان عن ميلاد الفكرة لتنفيذ العملية الفدائية لدى قادة السرايا، أضاف "أبو محمد"، تم تشكيل ثلاث لجان للقيام بعمليات رصد ومتابعة للهدف المنوي مهاجمته، وقد استغرقت عمليات الرصد مدة ثلاثة أسابيع متواصلة، تعددت خلالها الطرق التي تم بموجبها الرصد، وذلك للتأكد من تحركات جنود الاحتلال في الموقع المستهدف حتى يتطابق موعد الهجوم مع تواجد الجنود ما يؤدي إلى وقوع اكبر عدد ممكن منهم بين قتيل وجريح.
وبعد انتهاء عمليات الرصد، أوضح "أبو محمد"، تم التأكد من تواجد نحو عشرة جنود صهاينة في برجي المراقبة اللذين يحرسان الموقع المستهدف في آن واحد –وهو عدد يفتح شهية رجال المقاومة- عكف أعضاء المجلس العسكري الأعلى للسرايا على مناقشة العملية وطريقة تنفيذها، وبعد التوكل على الله تمت الموافقة على شن الهجوم، وبعد ذلك توجه المندوب الميداني من المجلس العسكري لمناقشة العملية مع "السَرية الخاصة" –وهي تتكون من نخبة من مقاتلي السرايا بقيادة الشهيد المجاهد منير أبو موسى والذي استشهد في الهجوم- وبعد دراسة الخطة المقترحة تمت الموافقة عليها، وعلى الفور باشرت إحدى مجموعات "السَرية الخاصة" التدريبات على ارض الواقع حيث تم تجهيز مكان مشابه تماما للمكان الذي ستجري فيه العملية.
خطط مقترحة
وأشار المجاهد "أبو محمد" إلى انه تم وضع العديد من السيناريوهات لتنفيذ العملية، ومن بين تلك السيناريوهات ذلك الذي وضعه الشهيد القائد نبيل أبو جبر والذي يقضي بتنفيذ الهجوم باستخدام شاحنة كبيرة يمتد طرفاها الى ما بين الثكنتين العسكريتين المستهدفتين حيث تقدر المسافة بينهما بنحو عشرة أمتار، على ان يعتلي الشاحنة اثنين من المجاهدين مزودين بقذائف "ار بي جي" يستهدفان في وقت واحد الثكنتين. إلا أن تلك الخطة لم تلقى قبول أعضاء وقيادة المجلس العسكري الأعلى للسرايا. وتم طرح خطة أخرى تقضي بتنفيذ الهجوم عبر سيارتين يستقلهما سبعة مجاهدين وهو ما تم بالفعل.
تكتيك مقترح
وبحسب التكتيك المقترح، أشار المجاهد "أبو محمد"، تقف السيارة الأولى وهي من نوع "بيجو تندر" أمام برج المراقبة الأول بالتزامن مع توقف السيارة الثانية وهي من نوع "بيجو 104" إمام البرج الثاني على ان يتزامن اطلاق النار من قبل المتواجدين بداخل السيارتين.
واضاف: تتوجه السيارتين من مفترق دير البلح (شارع صلاح الدين) شرقا الى شارع وادي السلقا حيث تكن ابراج المراقبة الصهيونية المستهدفة على الجهة اليمنى من المهاجمين، فلذلك تم تخطيط ان يباغت كل مجاهد يجلس على الجهة اليمنى ان يقوم باطلاق النار من جهته وهو بداخل السيارة. على ان تقوم المجموعة الاخرى في السيارة الثانية بالخروج من السيارة واطلاق النار مباشرة كي يتمكن المجاهدون من الخروج من السيارة الاولى بشكل لا يمكن العدو من اطلاق النار باتجاههم.
يوم التنفيذ
مع ظهيرة يوم 20/9/2001م، تم توجه المجموعة الى بحر الشيخ عجلين مقابل مسجد الشيخ عجلين حيث تم وضع اللمسات الأخيرة على العملية. وهناك تم توزيع الإخوة على السيارتين المهاجمتين حسب الأدوار المطلوبة ، ثم توجه الأخوة إلى منطقة زراعية لوضع اللمسات الأخيرة على الأسلحة التي سيتم استخدامها في الهجوم وهي قطع "كلاشينكوف، ام 16 وعدد كبير جدا من القنابل اليدوية والذخيرة". وبعد ذلك توجه المجاهدون عبر طريق الشيخ عجلين ومن ثم إلى دير البلح، حيث كان المجاهدون على اتصال مباشر مع المسئول الميداني لجهاز "السَرية الخاصة" القائد "منير أبو موسى" والذي كان يقود السيارة الأولى وهو الذي أعطى الأوامر ببدء الهجوم.
وبحسب الخطة المعدة سلفا للعملية كان مقررا إن يتم تصوير العملية عبر الفيديو، إلا ان أجهزة أمن السلطة الفلسطينية قامت باعتقال المجاهد الذي كان سيقوم بتصوير العملية وهو المجاهد مصعب عبد الله السبع -والذي استشهد لاحقا في عملية استشهادية في معبر بيت حانون- وقد تمت عملية الاعتقال خلال قيام المجاهد "أبو محمد" والذي يروي لنا تفاصيل العملية بتدريب المجاهد السبع على عملية التصوير حيث اعتقل هو الاخر في حينه.
بدء الهجوم...
ومع وصول العملية لحظة الصفر، بدأ الهجوم الفدائي على برجي المراقبة حيث كان الهجوم مباغتا لم يتمكن معه جنود الاحتلال إلا من إطلاق عيارين ناريين فقط أديا إلى استشهاد المجاهد منير أبو موسى، في حين سيطر مجاهد سرايا القدس على الموقع مدة عشرة دقائق كاملة تمكنا خلالها من إلقاء عدد كبير جدا من القنابل اليدوية وإطلاق زخات كثيفة من نيران الأسلحة الرشاشة باتجاه جنود برجي المراقبة ما أدى إلى وقوعهم جميعا بين قتيل وجريح.
وبحسب جهاز الرصد والمتابعة الخاص بسرايا القدس والذي كان مكلفا بمراقبة تحركات العدو عقب العملية، فان جنود الاحتلال والياته لم يتمكنوا من الوصول إلى المنطقة لمدة تقارب النصف ساعة ما يدلل على شدة الصدمة التي أصيب بها جنود الاحتلال في الموقع، بالإضافة إلى الخسائر الجسيمة التي منوا بها.
حيث اعترفت مصادر العدو الصهيوني بداية بإصابة ستة من جنودها بجراح في ذلك الهجوم، ثلاثة منهم بحال الخطر الشديد، قبل أن تعترف بعد يومين من وقوع العملية بمقتل هؤلاء الثلاثة.
من جانبها زفت سرايا القدس إلى الحور العين الشهيد المجاهد منير أبو مرسي بصفته قائد "السَرية الخاصة" في السرايا، مؤكدة عودة باقي أفراد المجموعة المهاجمة إلى قواعدهم بسلام.
ويشار هنا إلى أن الشهيد كمال رجب احد مجاهدي سرايا القدس والذي استشهد في عملية استشهادية في مغتصبة "دوغيت" في العام 2002 كان ضمن المجموعة التي نفذت الهجوم على الموقع المشار إليه.