تصادف اليوم الذكرى ألـ 12 لعملية ديزنقوف - سنتر البطولية والتي نفذها الاستشهادي رامز عبد القادر عبيد ابن القوى الإسلامية المجاهدة قسم الذراع العسكري السابق لحركة الجهاد الإسلامي من سكان مدينة خانيونس ؛ ففي مثل هذا اليوم عام 96 وقعت عملية ديزنقوف وسط مدينة تل أبيب ، ما أسفر عن مقتل 23 صهيونياً وإصابة أكثر من 170 آخرين بجراح.
نعم لقد قرر رامز عبيد أن يحفر اسمه وينقشه على الصخر ليكون مثالا يحتذى في الجهاد والمقاومة والتضحية في سبيل الأرض والعرض والحرية والكرامة.
الشهيد في سطور
في ذلك المخيم الذي لطالما أضاق العدو الصهيوني على مدار سني الصراع الويلات تلو الويلات , تقبع منازل عائلة عبيد , التي يعرفها كل إنسان حر في هذا الوطن الحر , سيما وأن هذه العائلة قدمت على طريق الحرية والاستقلال فارسا معطاء ً وعظيما أرق مضاجع العدو بعمله الجهادي العملاق الذي لازال الحديث عنه يحدث الرعب تلو الرعب بين صفوف الكيان .
فرامز لم يكن سوى بطلا استثنائيا في هذا الزمن الاستثنائي ، حيث عبَّر بجسده الطاهر عن أصالة وعراقة وزمن مرحلته في حقبة غاب فيها التاريخيون ولم يبق بها سوى الباعة المتجولون للمبادئ والأفكار والتاريخ، لذا قرر أن يضع حدا المهزلة الموت على مذابح الأوصياء، باختيار الشهادة على طريق الأنبياء.
نعم لقد قرر رامز عبيد أن يحفر اسمه وينقشه على الصخر ليكون مثالا يحتذى في الجهاد والمقاومة والتضحية في سبيل الأرض والعرض والحرية والكرامة , وفعلا كانت دماء فارسنا رامز وقودا أشعل في صدور أبناء فلسطين حب الجهاد وعشق الشهادة في سبيل الله .
تأتي رحاب الذكرى السنوية لاستشهاد رامز عبيد لتعزز في أواصر وخواطر وقلوب وعقول أبناء شعبنا مفاهيم عدة لعل أبرزها أن الشعب الفلسطيني لن يذعن لمحتليه الغزاة مهما عربدوا و أوغلوا في قمعنا....
نشأته وميلاده
في مخيم الصمود والعزة مخيم خان يونس البطلة , وبالتحديد في الحادي والعشرين من شهر أغسطس لعام 1971م , خرج فارسنا الهمام رامز عبيد على وجه البسيطة , ليعيش كغيره من ساكني المخيم حياة ملؤها القسوة والمعاناة فالمخيم الذي يحتضنه وأسرته وباقي الأسر الفلسطينية ليس سوى ملجأ لجؤوا له بعد تهجيرهم على يد الاحتلال البربري الغاشم عام 48 ليذوقوا أفظع وأقسى أصناف ودروب العذاب والمصاعب ، نشأ رامز بين سبعة أخوة وثلاث أخوات , وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها عائلته إلا أن والده أصر على أن يعلم نجله ليخط له طريقا في المجتمع ينتفع به ويعود كذا بالنفع على كافة من حوله في المجتمع .
حيث درس رامز في مدرسة مصطفى حافظ الابتدائية «أ» للاجئين ثم مدرسة ذكور خان يونس الإعدادية فكان من صغره منحازا للإسلام محافظا على الصلوات في المسجد متأدبا بأخلاقه.
عرف رامز بين جيرانه وأبناء حارته بخلقه وتواضعه وحب الجميع له، وبرزت مواهبه منذ صغره فكان فنانا يرسم الخطوط الجميلة والصور المرهفة الصادقة.
وما أن انتهى فارسنا رامز من دراسة المرحلة الإعدادية , حتى تنفجر الانتفاضة المباركة , حيث كان لها وقعا كبيرا في نفس رامز فلقد جاءت الانتفاضة كمعبر حقيقي عن ما تشدو وتهفو له نفس رامز , فلقد كان رامز يشارك إخوانه وأصدقاءه في فعالياتها وبجدارة حيث كان كل المخيم يشهد له بشعاراته الرائدة التي تزين جدرانه لتعزز مفاهيم الانتفاضة ومبادئها , وعلى الرغم من ذلك كله استمر رامز في تعليمه لينهي دراسته الثانوية من مدرسة عكا الثانوية مسطرا بذلك أنموذجا حيا للتلميذ المجاهد والحامل لهموم أمته وشعبه .
إصرار وعزيمة
الروح الجهادية التي تعززت في نفس رامز جعلت منه إنسانا مختلفا فعلى الرغم من صغر يعتقل رامز في سجن النقب لمدة ثلاثة شهور بتهمة إلقاء الحجارة وهناك في "مدرسة يوسف" ليعيش بين صفوف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين , والتي لطالما نشر شعاراتها على جدران مخيمه وهو يعمل في اللجان الشعبية التابعة لها في خان يونس، وخرج الفارس في أواسط 1992 أكثر مضاءً وعزما على مواصلة عمله في صفوف حركته المجاهدة (حركة الجهاد الإسلامي) ليشارك من جديد في العمل المنظم الذي تقوم عليه الحركة في منطقة سكناه , حيث أصبح مسئولا عن العمل الإعلامي والثقافي الذي تشرف عليه الحركة , ليعود الفارس نظرا لجهده المميز في الحركة إلى السجن من جديد , حيث جرى اعتقاله داخل مسجد الإمام الشافعي الذي تعود على الصلاة فيه ليواصل من جديد داخل خيمته في السجن (سجن النقب) نشاطه غير المنقطع، حيث أشرف على إصدار المجلة الدورية التي تصدر عن حركة الجهاد الإسلامي داخل المعتقل والتي عبَّر خلالها عن كافة مواهبه الفنية، ويخرج رامز مرة أخرى من المعتقل أكثر اشتعالا وأكثر تشبثا بروحه الجهادية الراسخة , كما واعتقل رامز عدة مرات على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية في محاولة منها لثنيه عن نشاطه الدؤوب والمتواصل ضمن صفوف حركة الجهاد الإسلامي إلا أن السجن لم يكن سوى دافعا قويا يعزز تمسك الفارس بخياراته ومبادئه .
حيث قرر فارسنا بعد ذلك مواصله تعليمه , ليلتحق بالجامعة الإسلامية لمدة عام بقسم الجغرافيا وعندما فُتح قسم الفنون الجميلة في كلية التربية (جامعة الأقصى) حاليا انتقل للدراسة فيها ليصقل موهبته الفطرية وينميها على أسس صحيحة .
لقطات من حياة الفارس
في يوم استشهاد ابن مخيمه أيمن راضي كان فارسنا رامز يزين جدران المخيم بالشعارات فيرسم باصاً صهيونيا وقد تطايرت أجزاؤه وتناثرت الجثث من داخله، وحينها تدخل أحد الصحفيين الأجانب الذين كانوا بالمكان وسأله إذا ما كان يرسم لمجرد الرسم أم هو الإحساس والتمني بهذا الشيء فيرد رامز الفارس عليه أنه يتمنى الشهادة ليل نهار ويدعو الله أن يرزقه بها.
هكذا كان أبو عبد الله يبرهن لأصحاب القلوب المريضة أن الشهادة هي طريق الصالحين ويردد مقولته الشهيرة (وعجلت إليك ربي لترضى)… ولن نستغرب قصة الرجل العجوز الذي أمسك بيده يوما بين أزقة المخيم ليقول له ستكون شهيداً يا ولدي وعدني بأن أكون أحد الذين ستتشفع لهم ويأخذ العجوز الوعد من شهيدنا رامز والذي ازداد صمته وعم هدؤوه في تلك الفترة فكان يكابد الحياة بإيمان واستعلاء ويواصل خطواته نحو عرس الشهادة في الرابع من شهر مارس آذار لعام 1996 في شارع " ديزنغوف " بــ"تل أبيب " رغم كل العوائق والحواجز.
ويمضي العظماء
في الرابع من شهر مارس آذار لعام 1996 , حمل فارس من فوارس الجهاد الإسلامي هموم الأمة وعذاباتها ليعبر عنه بأغلى ما يملك , ليظهر متزنراً بحزامه الناسف مذكرا الكيان الصهيوني أن قسم الثأر الذي أعلنه بيده على جدران المخيم بأن دم شهيد فلسطين والأمة الدكتور فتحي الشقاقي هو قسم باقي ضد بغيهم وعنجهيتهم على أرض فلسطين ومقدساتها.
فاندفع المجاهد الاستشهادي رامز عبد القادر عبيد بعد أن تمكن من التوغل إلى عمق تل أبيب وعلى وسطه أكثر من خمسة عشر كيلو غراما من المتفجرات وفجر صواعق جسده بين حشود المغتصبين فزلزل الانفجار أركان "تل أبيب" ليحصد الانفجار حياة ثلاثة وثلاثين قتيلاً وأكثر من مائة وعشرين جريحاً , لتكون العملية إهداء لروح قائد الفكر الجهادي الأشم فكر حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشهيد الفارس فتحي إبراهيم الشقاقي .
ليمضى شهيدنا على درب الجهاد والمقاومة تماما كما أحب .. فرحم الله شهيدنا الفارس وأسكنه فسيح جناته ... وإنا لله وإنا إليه راجعون